08 سبتمبر 2009

مشروع جيل الترجيح

لقد خاضت حركات التحرر في العالم العربي والإسلامي معركة الوجود والمصير حتى دحضت الاستعمار وأخرجته من البلاد، غير أن الاستعمار حينما علم بأنه لا محالة راحل من بلاد المسلمين عمل على إبقاء الدول المستقلة تابعة له ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وبدون سيادة تقريبا، وقد أدركت الحركة الإسلامية هذه المخاطر فواجهتها بإنشاء تنظيمات ومؤسسات إسلامية عدة أنتجت صحوة شاملة عابرة للقارات جندت فيها جماهير الأمة ضمن معركة أكثر ضراوة من معارك التحرر كان ولا يزال عنوانها "معركة الهوية والسيادة".
 
وقد كُللت هذه المعركة بنجاح بين على مستوى المجتمعات الإسلامية فصارت الشعوب لا تهتف إلا باسم الإسلام ولا ترى مخرجا لأزماتها وتخلفها إلا بالإسلام، غير أن تحالف قوى الحكم في العالم الإسلامي مع الأنظمة الغربية وتعقد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدولية في عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصال طرحت إشكالات جديدة على الحركات الإسلامية لم تجد لها حلا إلى الآن يتناسب مع حاجات وطموحات الشعوب العربية والإسلامية، وصارت سقوف تطلعات هذه الشعوب أعلى مما تقدر عليه التنظيمات الإسلامية نفسها. إن التراجع السياسي ( في اليمن والكويت والعراق والأردن ولبنان والسودان والمغرب والجزائر وموريطانيا) يعتبر من السمات البارزة للإحراجات الجديدة التي صارت تواجه الأحزاب والحركات السياسية الإسلامية، غير أن  هذا التراجع لا يتناسب مع التقدم الواضح للإسلام على جبهات الصراع الحضاري الشامل الذي يعبر عنه نجاح كثيرٍ من مؤسسات المجتمع المدني الإسلامية في بعض المجالات المهمة كالمؤسسات البنكية والمصرفية  و المؤسسات الإعلامية والاجتماعية و الذي يعبر عنه  كذلك وبشكل أخص نجاح المقاومة السلمية في مختلف أنحاء العالم، والمقاومة المسلحة في فلسطين والعراق وأفغانستان في مواجهة الهيمنة الغربية والصهيونية إلى حد أربك المعسكر المعتدي وأنتج تعاطفا شعبيا عالميا مع المعتدى عليه غير أنماط تفكير الحكام الغربيين بل وغير حكومات دول كبرى كأمريكا وبريطانيا وغيرهما.
لقد وصلنا اليوم إلى عتبة مرحلة جديدة أدرك فيها خصوم الأمة الإسلامية بأنهم لا قبل لهم بمواجهة العالم الإسلامي بشكل واضح ومباشر وأنه لا بد لهم من ابتكار أساليب جديدة في إدارة الصراع لإجهاض مكتسبات الأمة الإسلامية كلها بأنواع جديدة من التآمر وبواسطة نمط جديد من القيادة  لعل الصورة النمطية لها ما سمي اليوم " بالظاهرة الأوباماوية".
وإذا قلنا بأن الشعوب الإسلامية يزداد تمسكها بهويتها وبمشروع أمتها أكثر فأكثر وأن إنجازاتها في قطاعات مدنية مهمة وعلى جبهات المقاومة صارت مستعصية غير قابلة للزوال فإن هذا يعني بأن الذي ينبغي أن تُعطى له الأولوية في التطوير هي منظومة قيادة هذه الشعوب لتكون أكثر صدقية وإيجابية وفاعلية في تصريف عواطفها واستعمال مقدراتها والتعبير عن قناعاتها. إن هذه الشعوب لا تقاد إلا بالإسلام، فبالإسلام سارت وراء قادة حركات التحرر، وبالإسلام انقادت لتيارات الصحوة الإسلامية وبالإسلام وحده ستنقاد لتحقيق الشهادة الكبرى بالتمكين للمشروع الإسلامي على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والدولي من خلال اجتهادات فكرية وعلمية مبصرة وهادية، وتشييد مؤسسات حكومية ومجتمعية راسخة وشامخة تحقق للناس في بلاد الإسلام وغيرها ما يصلح دينهم ودنياهم.
إن الذين قادوا حركات التحرر قادة أفذاذ أجابوا على احتياجات مرحلتهم، والذين قادوا معركة الهوية وأنشؤوا الصحوة الإسلامية هم كذلك قادة أفذاذ أجابوا على احتياجات مرحلتهم، وإن لهذا الزمن احتياجات جديدة وتحديات مستحدثة ستزداد تعقدا وإلحاحا يوما بعد يوم، لم تطرح على الذين سبقوا، ولا بد أن يجيب عنها اليوم وغدا قادة أفذاذ جدد.
إن الله تعالى وعد أمة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بالنصر والتمكين في مواضع كثيرة من الكتاب الكريم والسنة الصحيحة، ولم يحملنا في هذا إلا واجب الصدق في العمل وبذل المستطاع فيه فقال سبحانه: (( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) سورة محمد 7 وقال (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم))الأنفال 60.
إننا حينما نتحدث عن الإعداد ينصرف ذهن الناس دائما إلى الإعداد المادي، وهذا أمر مطلوب لا محالة إذ حينما نراجع قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن عقبة بن عامر (( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)) نتذكر ما تفعله فينا طائرات العدو الصهيوني الأمريكي وصواريخهم وراجماتهم في فلسطين والعراق وأفغانستان، ولكن نتذكر كذلك انقلاب المعادلة التي تسببت فيها الصواريخ البدائية الحمساوية  وصواريخ المقاومة اللبنانية، ولكن – بدون أدنى شك – إن إعداد الإنسان أولى من كل شيء، هذا هو منهج الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم وهذا هو منهج أرقى النظريات في العلوم الاجتماعية القديمة والحديثة.
على هذا الأساس ولهذه الظروف وتبعا لهذا النهج انطلقت حركة مجتمع السلم في مشروع كبير تريد أن تساهم من خلاله في إعداد مستقبلي لطبقة قيادية مؤهلة للإجابة على احتياجات العصر الحالي والمقبل، والتحديات الآنية والمستقبلية، قادرة على بعث وقيادة جيل جديد يرجح الكفة في موازين الصراع الحضاري المفروض على الأمة، لصالح الأقطار والشعوب العربية والإسلامية.
ولقد اختارت الحركة لهذا المشروع اسما ذا مغزى هو " جيل الترجيح" واختارت له رسالة واضحة معلنة هي: " المساهمة في إعداد جيل قياديي ذي كفاءة واقتدار يقود المجتمع الجزائري للنهضة الحضارية الشاملة ويساهم في نهضة الأمة".
إن كلمة المساهمة في نص هذه الرسالة مقصودة لأن المهمة في مجملها ليست مهمة حركة واحدة، بل هي ليست مهمة حركات مدنية فحسب، إذ هي مهمة حضارية شاملة تقع مسؤوليتها على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني في آن واحد، وهي صناعة لا تهتم بها الأنظمة العربية والإسلامية للأسف الشديد سوى ما نراه من مجهودات مشكورة على هذا المضمار تبذلها حكومات أعجمية في البلاد الإسلامية كتركيا وماليزيا وإيران على سبيل المثال، وعزاؤنا في البلاد العربية أن حركات إسلامية كثيرة نحن جزء منها صارت تنهج هذا النهج مهتدية بإبداعات علماء ومفكرين أنتجوا ثروة فكرية هائلة في مجال التنمية البشرية كأمثال الأستاذ الكبير المجدد محمد أحمد الراشد، وغيره من المبدعين الأفذاذ كالأستاذ طارق السويدان، والأستاذ علي الحمادي، والأستاذ أسامة التكريتي، وغيرهم كثير ممن تعرفنا عليهم ولقيناهم، وممن عرفناهم ولم نلقهم ولكننا استفدنا من جهودهم جميعا في بلورة مشروعنا " جيل الترجيح"، بالمدارسة المباشرة حينا وبالمراسلة أحيانا.
إن لكل قطر من الأقطار الإسلامية رؤية وأهدافا استراتيجية في هذه الصنعة الحديثة، ولقد اخترنا في الجزائر رؤية خاصة بنا وأهدافا استراتيجية تتناسب مع أهمية القطر الذي نحن فيه من حيث نمط وعدد سكانه، ومن حيث مقدراته وموقعه وهوامش الحرية المتاحة فيه. فكانت الرؤية موجهة إلى طبقة من الشباب بين 15 و25 سنة ممتدة إلى 15 سنة مقسمة على ثلاث مراحل 555 ، في كل مرحلة خماسية نريد تحقيق جزء من طموحنا الذي أردناه أن يكون في الخمس سنوات الأولى: " تهيئة 1200 قائد شاب رباني ومثقف وماهر وقوي في خمس سنوات في 480 بلدية تمثل 80 بالمئة من سكان الجزائر ثم تستكمل وتطور وتعمم التجربة في كافة بلديات الوطن خلال 15 سنة".
وقد أردنا أن تكون مخرجات هذا المشروع أهدافا استراتيجية محددة قابلة للقياس هي كالتالي:
يعمل المشروع على حصول 1200 شاب مشارك من 48 ولاية في خمس سنوات بحول الله على ما يلي:
ـ حفظ كتاب الله كاملا بالأحكام والتفسير.
ـ حفظ 1000 حديث نبوي شريف.
ـ حفظ 1000 بيت شعري بدراساتها الأدبية واللغوية.
ـ إلمام عام بعلوم الشريعة الإسلامية.
ـ إلمام عام بالسيرة والتاريخ الإسلامي والعربي والجزائري والمغاربي والفلسطيني ومسائل تاريخية هامة.
ـ فصاحة اللسان باللغة العربية.
ـ ثقافة عامة متقدمة في مختلف قضايا العصر.
ـ حضور خمسين دورة تدريبية وكسب مهارات قيادية متنوعة.
ـ القدرة على الخطابة والتأليف والاتصال.
ـ القدرة على التخطيط والتسيير وإدارة المشاريع.
ـ التحكم في مختلف برامج الكمبيوتر ووسائل الاتصال الحديثة.
ـ تحكم مقبول إلى جيد في اللغة الانجليزية.
ـ شبكة واسعة من العلاقات.
ولتحقيق هذا إخترنا منهجا يقوم على أربعة محاور أساسية هي:
العلوم والمعارف: التي تجعل قائد المستقبل رجلا عالما بالرسالة التي يحملها وبالعلوم الشرعية وغير الشرعية التي يرتفع بها.
السلوك: التي تؤهله لاستحقاق النصر الرباني وتيسر له قيادة غيره بالقدوة والاستقامة.
المهارات: التي لا بد منها في إدارة شؤون نفسه وأمته باستعمال أحسن ما في نظريات وفنون الإدارة والقيادة المعاصرة.
المشاريع: التي تُنزل ما يدرسه قائد المستقبل على المحك الواقعي حتى يكون الميدان أحسن وسيلة لإعداده.
وقد أحطنا هذه المحاور ببيئة مساعدة على النجاح من اختيار نمط إداري منضبط ومرن وقابل للنمو والتطور، ولجان فنية يقوم عليها أهل علم أجلاء صحبناهم منذ زمن طويل، ومفكرون وسياسيون مقتدرون هم لنا نعم الإخوة والأصدقاء، ومدربون من خارج الوطن تطوعوا لدعمنا لهم فضل في بلورة أفكارنا في هذا المشروع، ومدربون في داخل الوطن من وسط الحركة ومحيطها ساهمنا عبر سنوات مضت على إتاحة الفرصة وصناعة الظروف لتأهيلهم. وقد عزمنا على أن تكون فضاءات التواصل لتنفيذ هذا البرنامج مجرّبة خفيفة مرنة وقابلة للاستمرار من خلال اعتماد الطرق التربوية التقليدية الناجحة كالأسرة والدورة والمخيم، والوسائل التعليمية العصرية المبتكرة وعلى رأسها منهجية التعليم عن بعد (e-learning)، ووسائل التدريب المتنوعة التي تضمن ترسيخ القناعة وتوسيع المعارف وتحصيل المهارة، ومنظومات الامتحانات المطورة التي توجه لتحصيل الأساس من العلم بعيدا عن الحشو الذي لا طائل منه، كما أدمجنا لونا جديدا من التأهيل يعتمد على الاتصال بأهل التجربة، والحديث معهم والجلوس إليهم في مختلف أنحاء الوطن وخارجه، والانطلاق في إنجاز مشاريع عملية متنوعة ومتعددة حسب ظروف وإمكانات كل فرد منخرط في المشروع، وأهم هذه المشاريع إشراف هؤلاء بعد فترة محددة من تأهيلهم على  أفواجٍ أكبر عدد وأقل سنا منهم ( 10 سنوات) في كل بلدية من بلديات الوطن، وذلكم هو جيل الترجيح الذي سيقودونه. وقد اتجهنا في تشكيل الأفواج الأولى في عدد محدد من ولايات القطر تلحقها أفواج أخرى على "نظريات تربية النحل" ، إذ نؤسس أفواجا صغيرة لا تُشكل إلا على الفهم الدقيق للمشروع، والقناعة التامة به، والاستعداد البين له، وفق معايير محددة أهمها سمات التميز العقلي والبيئي والخلقي، على أن لا يٌسمح بنمو الأفواج وتمددها في المكان والزمان إلا بقدر تحقيق النجاح. تماما مثل ما هو حال خلايا النخل، أصلها كله خير، ونتاجها كله خير، ولا نمو لها إلا  في محيط ينمو فيه الخير (من أشجار وأزهار وكلأ ميمون).
هذه هي آمالنا وهذه أحلامنا، وإننا على ثقة بتوفيق الله لنا، ولعل عاجل بشرانا هو  ما لاقاه هذا المشروع من قبول أغلب من سمع به، وحالة التنافس الشديد للانحراط فيه، وظاهرة اليسر التي نجدها في إدارته وتسييره، وقلة المقاومة التي تواجهه، واستعداد الكثيرين لدعمه علميا ومهاريا وماديا ومعنويا... فلله الحمد والمنة.
ولعل البعض يقول إن هذا الطموح كبير... فنقول لهؤلاء  لو حققنا ربع الطموح كان خيرا، ونحن على أكثر من ربعه وأكثر من نصفه وأكثر من ثلثه أقدر بحول الله، وهو كفيل سبحانه بالثلث المتبقي، وبما  هو أكبر من ذلك وأعلى. إنما الذي علينا هو بذل الجهد وحسن التخطيط والإدارة وعليه عز وجل التكلان ومنه السداد والتوفيق، وصدق المثل الفرنسي إذ يقول "من لا يحاول شيئا لا يأخذ شيئا" وحسبنا أن المجتهد مأجور ولو أخطأ،  وأن من هم بفعل الخير أجر وإن لم يفعل.
ولعل البعض الآخر يقول إن هذا المشروع مخيف، ويلومنا بعضهم عن الكشف عنه ونشره عبر الموقع دون تحفظ، وجوابنا على هذه الحيرة المحمودة: متى كان النحل يخيف؟ وهل يوجد في العالم من يخاف النحل؟ غير عليلِ نفس يعترض طريقها، أو جاهل لا يعرف مسالكها. إن هؤلاء الشباب هم للحركة والوطن والإسلام فمن أحب الحركة والوطن والإسلام  أحبهم ومن أبغض الحركة والوطن والإسلام  ربما أبغضهم... غير أنه: (( و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) يوسف 26 
أما عن الإعلان عن المشروع فإننا تقصّدنا أن يسرق الناس أفكارنا، ويقتبسوا من مشروعنا، فيطبقوه كله، أو جزءا منه، أو مشروعا معدلا منه، في أي مكان يريدونه، دون إذن منا، فلا إثم عليهم، ولا جزاء وشكورا لنا، غير ما نريده من أجر وثواب من الله وحده لا شريك له. ومن اعتقد بأن عليل النفس قد يجني على هذا المشروع، نطمئنه بأن هذا في حكم الاستحالة بإذن الله - إلا إذا كان الأمر بأيدينا – إذ نحن على ثقة بأن هذا العمل عمل صالح سيؤيده الله ويرعاه، وإنما نصيحتنا لأنفسنا ولكل من له علاقة بالمشروع – قرارا أو فكرا أو إدارة أو إعانة – أن يخلصوا نواياهم لله وأن يقصدوا به صلاحا جاريا يُدرُّ عليهم أجرا دائما، في حياتهم وبعد مماتهم. ثم بعد ذلك إن مشروعنا هذا لا يمثل خطرا على أحد بل هو إضافة للوطن والأمة وهو مصمم بطريقة عصرية شفافة يمكن لكل أحد الاطلاع عليه ووسائل الاتصال الحديثة التي نعتمدها تتجاوز  الموانع والعوائق، وأفواجنا صغيرة سهل اجتماعها، يسيرة أعباؤها، لا تمثل عبئا على أحد سوى ما نتفق عليه بيننا. أما عمّن جهل مسالك النحل فخاض فيها دون هدي ولا بصيرة فإننا سنرشده برفق حتى يصير وليا لها فتصيبه بركاتها وينتفع بخيرها والله موفقنا جميعا وهادينا إلى سواء السبيل.

ليست هناك تعليقات: